ظاهرة الانتحار وموقف الإسلام منها

بقلم الأستاذ/إبراهيم الغنام
قال تعالى على لسان نبيه يعقوب عليه السلام : ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، وقال على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56]
لقد ابْتُلِيَت الأمة بنَكبات كثيرة على مَرِّ الدهور والأزمان حتى يومنا هذا، وأشد أنواع النكبات التي قد تُبتلى بها الأمة أن يتسرَّب اليأس إلى القلوب، وتتفرغ القلوب من الأمل واليقين، فيتخلص المرء من حياته عن طريق الانتحار، ولقد ظهر في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية جريمة تُعَد من أبشع الجرائم على الإطلاق، وهي جريمة الانتحار.
تعريف الانتحار
الانتحار هو قتل الإنسان نفسه، أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال؛ مثل: الشنق، أو الحرق، أو تناوُل السموم، أو تناول جُرعة كبيرة من المخدرات، أو إلقاء نفسه في النهر، أو قتْل نفسه بمأكول أو مشروب؛ وذلك لأسباب يعتقد صاحبها معها بأن مماته أصبح أفضل من حياته .
أعراض الانتحار
هناك بعض العلامات التي تظهر على الشخص الذي يُقدِم على الانتحار؛ من أهمها:
١- الاكتئاب: والذي يعني: الشعور بالحزن الشديد والتعاسة، والإحباط، والعجز وعدم القيمة، واليأس من الحياة ومِن تغيُّر الواقع .
٢- التغيرات المفاجئة في السلوك؛ مثل: التغير في نمط النوم، أو نمط الطعام، والإهمال في الدراسة .
٣ – محاولة فاشلة أو أكثر في تجربة الانتحار.
أسباب الانتحار
حوالي 35% من حالات الانتحار ترجع إلى أمراض نفسية وعقلية؛ كالاكتئاب، والفصام، والإدمان، و65% يرجع إلى عوامل متعددة؛ مثل: التربية، وثقافة المجتمع، والمشاكل الأُسرية أو العاطفية، والفشل الدراسي، والآلام والأمراض الجسمية، أو تجنُّب العار، أو الإيمان بفكرة أو مبدأ مثل القيام بالانتحار.
وهذه بعض الأسباب التي تؤدي إلى الانتحار:
١- ضَعف الوازع الديني عند الإنسان، وعدم إدراك خطورة هذا الفعل الشنيع والجريمة الكُبرى، والتي يترتب عليها حرمان النفس من حقها في الحياة، إضافةً إلى التعرض للوعيد الشديد والعقاب الأليم في الدار الآخرة.
٢- عدم اكتمال المعنى الإيماني في النفس البشرية : إذ إن الإيمان الكامل الصحيح يفرض على الإنسان الثقة واليقين في الله تعالى، والرضا بقضاء الله تعالى وقدره، وعدم الاعتراض على ذلك القدر مهما بدا للإنسان أنه سيِّئ أو غير مُرضٍ، ولا شك أن الانتحار لا يخرج عن كونه اعتراضًا على واقع الحال، ودليلاً على عدم الرضا به.
وغلبة الظن الخاطيء عند المنتحر أنه سيضع بانتحاره وإزهاقه لنفسه حدًّا لما يعيشه أو يُعانيه من مشكلاتٍ أو ضغوطٍ أو ظروف سيئة، وهذا مفهومٌ خاطئٌ ومغلوطٌ، وبعيدٌ كل البُعد عن الحقيقة.
٣- الجهل والجزع وعدم الصبر، والاستسلام لليأس والقنوط، وما يؤدي إلى ذلك من الهواجس والأفكار والوساوس.
٤- المشاكل الاقتصادية: كالفقر، والبطالة، وعدم الحصول على المهن اللازمة على الرغم من الشهادات والمؤهلات، أو فِقدان المهنة أو المنزل، وقد أعربت منظمة الصحة العالمية عن خشيتها من أن تؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية إلى ارتفاع حالات الانتحار، خاصة بعد إقدام بعض رجال الأعمال على الانتحار.
٥- الانفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر: هذا الأمر قد دعا إلى تقليد الآخرين، والتأثر بهم في كل شأنٍ من شؤونهم، وهو أمرٌ غيرُ محمودٍ ؛ لما فيه من ضياع الهُوية واستلابها.
٦- المشاكل الأُسرية واحترام الذات :
قد تؤدي الصراعات الأسرية المتكررة أو الشديدة بين أفراد الأسرة وبالأخص الوالدين، وكذلك عيش الطفل أو المراهق مع زوجة أبٍ قاسية، أو زوج أُمٍّ قاسٍ، أو تعرُّض الطفل للضرب والإيذاء، أو الحرمان العاطفي بشكل متكرر، أو الإهمال للطفل وحاجته النفسية والجسدية، أو تعرُّض المراهق للنقد المستمر، أو الاستهزاء وعدم احترام ذاته ومشاعره، وتعليم الوالدين المتدني، وحالات الاغتصاب للنساء – قد تؤدي جميعها إلى الوصول إلى حالة اكتئاب شديدة، ومِن ثَمَّ التفكير في الانتحار والتخلُّص من الحياة.
موقف الإسلام من الانتحار
هذا العمل كبيرة من كبائر الذنوب، وقتل النفس ليس حلاًّ للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان، والوساوس التي يُلقيها في النفوس، ولو لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب ، لهانت كثير من النفوس على أصحابها، ولكن بعد الموت حساب وعقاب، وقبر وظلمة، وصراط وزلة ، ثم إما نار وإما جنة؛ ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله؛ مِنْ قَتْلِ الإنسان نفسَه ، أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال، أو قتل الإنسان نفسه بمأكول أو مشروب.
ولهذا جاء التحذير عن الانتحار بقول ربِّنا – جلَّت قدرته، وتقدَّست أسماؤه – حيث قال: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ ببِكُمْرَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29، 30]، وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]،
وقال تعالى: ﴿ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ [الفرقان: 68، 69].
وكذلك جاء التحذير في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتَل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن شَرِب سُمًّا، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبل، فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا )؛ رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعنها، يطعنها في النار) رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: شهِدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل ممن معه يدَّعي الإسلام : (هذا من أهل النار )، فلما حضر القتالو، قاتَل الرجل من أشد القتال، وكثُرت به الجراح ، فأثبتتهو، فجاء رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ، أرأيت الذي تحدَّثت أنه من أهل النار، قد قاتل في سبيل الله من أشد القتال، فكثُرت به الجراح ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنه من أهل النار، فكاد بعض المسلمين يرتاب، فبينما هو على ذلك، إذ وجد الرجل ألَمَ الجراح، فأهوى بيده إلى كِنانته، فانتزع منها سهمًا، فانتحر بها، فاشتد رجال من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، صدق الله حديثك، قد انتحر فلان، فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال ، قُمْ فأذِّن ، لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) رواه البخاري.
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من خنَق نفسه في الدنيا فقتلها ، خنق نفسه في النار، ومن طعن نفسه طعنها في النار، ومن اقتحم فقتل نفسه، اقتحم في النار) رواه ابنُ حِبَّان، وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا ، عُذِّب به يوم القيامة ) رواه البخاري (5700)، ومسلم (110).
وعن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزِع، فأخذ سكينًا فحزَّ بها يده، فما رقَأ الدم حتى مات ؛ قال الله تعالى: بادَرني عبدي بنفسه، حرَّمت عليه الجنة) رواه البخاري (3276)، ومسلم (113).
هذه عاقبة الانتحار والعياذ بالله، ويجب على المسلم أن يعلم أن الانتحار فيه تسخُّط على قضاء الله وقدره، وعدم الرضا بذلك، وعدم الصبر على تحمُّل الأذى، وأشد من ذلك وأخطر، وهو التعدي على حق الله تعالى، فالنفس ليست ملكًا لصاحبها ، وإنما ملك لله الذي خلقها وهيَّأها لعبادته سبحانه، وحرَّم إزهاقها بغير حقٍّ، فليس لك أدنى تصرُّف فيها، وكذلك في الانتحار ضَعف إيمان المنتحر؛ لعدم تسليم المنتحر أمرَه لله وشكواه إلى الله.
ما كان الانتحار علاجًا ولن يكون ، فالانتحار حرام بكل صوره وأشكاله، وليس دواءً يوصَف للمُعضلات والمُشكلات، بل داءً يسبِّب الانتكاسة والحرمان من الجنة، ويجلب سخط الرب تبارك وتعالى؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((تَداوَوْا، ولا تَداوَوْا بحرام))، وقال عليه الصلاة والسلام:
(ما جعل الله شفاءكم فيما حَرَّم عليكم).
علاج ظاهرة الانتحار
١- التربية الإسلامية الشاملة الواعية:
إن العودة إلى الدين أو التدين هي أفضل وسيلة للحماية من كل الأمراض النفسية التي تعاني منها البشرية جمعاء، كما أن العودة للدين الإسلامي الحنيف هي العلاج الأفضل للحماية من هذه الأخطار التي تتهدد مجتمعاتنا وقِيَمنا.
٢_ حملات التوعية المجتمعية بين المدرسة والأسرة .
٣_ إحياء الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس : لقد حرَّم الله تعالى اليأس المؤدي إلى الانتحار ، وندَّد باليائسين واعتبره قرين الكفر ، فيقول الله تعالى: ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
وندَّد بالقنوط واعتبره قرين الضلال، فقال تعالى: ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 56].
وفي ختام هذا الموضوع نقول :
إن الانتحار مُحَرَّمٌ ، وهو كبيرةمن الكبائر، وعلاج الانتحار : يكون أولاً بإصلاح الوازع الديني لدى الشخص ، ومِنْ ثَمَّ معالجة الأمرالمادي بما يناسبه ! ومن استحله كفر، و لا يجوزللمسلم أن ينتحر خشيةمن الوقوع في المعصية وما لا يرضي الله.