العبره من انقضاء السنين
بقلم/إبراهيم صابر عبدالعزيز
في انقضاء السنين تذكرة بحقارة الدنيا الفانية، فأين من تجبروا وتكبروا فيها، وأين من عمروا، وطالت أعمارهم، واراهم الثرى، ولم تبق إلا أعمالهم. كم من أناس عاشوا بيننا وماتوا أمامنا، فارقوا الدنيا وبقينا، وغداً نفارقها مثلهم، تخطانا ملك الموت إلى غيرنا، وغداً يتخطى غيرنا إلينا. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصية لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وللأمة كلها: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: (إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) كم من أناس ماتوا قبلنا كانت لهم آمال كآمالنا، ولكنهم لم يحققوها، بل باغتهم الأجل وفاجأهم هادم اللذات ومفرق الجماعات. وتلك سنة الله تعالى في خلقه، فلا مفر من هذا المصير المحتوم، والأجل الموعود، قال سبحانه: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) أيها الإخوة والأخوات في الله: ومن لم يغتنم عمره ندم عند بلوغ أجله وهناك لا ينفع الندم ولا تجدي الحسرات كما قال سبحانه: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) هؤلاء الذين لا يستعدون للنهاية، ولا يتزودون للآخرة، يقضون حياتهم في اللهو واللعب، سيعلمون يوم القيامة أن دنياهم كانت قصيرة كأنها حلم في منام، وكأنها ساعة مضت من نهار كما أخبر سبحانه في قوله: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أو لُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) فهذا هو حال الدنيا وهذا هو عمر الإنسان. عباد الله: إن الموفق من ينتهي عمره ولا تتوقف حسناته، لأنه ترك له أثراً دائماً من عمل صالح يجري له بعد الموت، من عِلم أو صدقة أو ولد صالح، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له) فماذا أعددت أخي الكريم من هذه الأعمال ليجري عليك أجرك. فعمرك رأس مالك، وهو مزرعتك للآخرة، فزد في عملك في كل يوم فإن أجلك ينقص. قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: (ما ندمتُ على شيءٍ ندَمِي على يومٍ غربَتْ شمسُه اقتَرَب فيه أجلي ولم يزدَدْ فيه عملي) وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (ابْنَ آدَمَ طَأِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ، فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ تَكُونُ قَبْرَكَ، ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، فَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ. ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ يَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ) فوقت الإنسان وعمره أغلى من الذهب ولذلك كان الصالحون أحرص على أوقاتهم من حرصهم على أموالهم، قال الحسن البصري رحمه الله: أَدْرَكْتُ أَقْوَاماً كَانَ أَحَدُهُمْ أَشَحَّ على عُمُرِهِ مِنْهُ على دَرَاهِمِهِ وَدَنَانِيرِه) .